
لقد آمنت برسول الله ، ولم يسبقها إلى ذلك إلاّ الإمام عليكيف لا يكون كذلك ، وقد قرأت ـ بما ألهمها الله تعالى ، وبما منحها من قدرة وحكمة وبصيرة ونظرة ثاقبة لمستقبل الصادق الأمين ـ مستقبله وأنه ذو شأن كبير ومقام كريم ومنزلة محمودة؟!
لقد واكبت مسيرته المباركة وهو في غار حراء ، بخدمتها الصادقة وكلماتها الطيبة ، التي تدل على مدى اخلاصها ونباهتها وصفائها : «وهيأت خديجة لزوجها ما يناسبه من حياة ، فلما لجأ للتحنث في غار حراء ، كانت تعدُّ له ما يحتاجه من طعام وشراب خلال الفترة ، التي اعتكف فيها بالغار ، فلما جاءه الوحي كانت أول من صدقه ، وعانت معه صراع قريش ضده ، وكانت البلسم الشافي لجراحه من هؤلاء المعتدين ، ودخلت معه الشعب عندما قرر سادة قريش أن يقاطعوا المسلمين . . .» (سير أعلام النبلاء 1/81 ).
كانت تسمعه كلمات رقيقة هادئة كلما دخل بيتها عائداً من غار حراء ، كلمات ملؤها الحنان والحب . تدعوه أن يطمئن ، وتدعوه أحياناً أن يهدأ وينام ، فكان يقول لها : مضى عهد النوم يا خديجة . لقد كانت كلماتها تلاحقه وهو في بيته ، وهو خارج منه ، وهو في الغار ، وهو يدعو عشيرته للإيمان ، وهو في دار الارقم يدعو الناس سراً، وهو في كل مكان في مكة يقارع قريشاً وشركها جهراً ، وهو يرى أعداءه والمتربصين به ، والمبغضين له ، فكانت تخفّف عنه كلّ معاناته وكلّ ما يلقاه من أذى وتكذيب وعنت من قومه .
وكان يصرّح ويفضي لها بكلّ شيء يقول ابن هشام في سيرته : وآمنت به خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ، ووازرته على أمره ، . . . فخفف الله بذلك عن نبيه ، لا يسمع شيئاً ممّا يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له ، فيحزنه ذلك ، إلاّ فرّج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه ، وتصدقه وتهوّن عليه أمر الله ، رحمها الله تعالى(السيرة النبوية لابن هشام 1/240 ) .
ومن كلماتها له أيضاً : أبشر ، فوالله ، لا يخزيك الله أبداً ، والله ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتؤدي الأمانة ، وتحمل الكلَّ ، وتقري الضيفَ ، وتعين على نوائب الدهر .