الاحاديث الشريفة

الاحاديث الشريفة (4)

004 copy.jpgوما يدل علي سمو مقامها وعلو منزلتها أن اهل البيت  طالما افتخروا بأن خديجة منهم، وانهم من خديجة وقد کانوا يعتزون بها، ويشيدون بمکانتها:

فقد خطب معاوية بالکوفة حين دخلها والحسن والحسين  جالسان تحت المنبر فذکر علياً  فنال منه ثم نال من الحسن فقام الحسين  ليردّ عليه فأخذه الحسن بيده وأجلسه ثم قام فقال: «أيّها الذاکِرُ عليّاً أنا الحسن وأبي عليّ وأنت معاويةُ وأبوک صخرٌ واُمي فاطمة واُمُّک هند وجدي رسُول اللّه وجدُّک عُتبةُ بن ربيعة وجدتي خديجة وجدتُک قتيلة فلعن اللّه أخملنا ذکراً وألأمُنا حسباً وشرّنا قديماً وحديثاً. فقال طوائفُ من أهل المسجد: آمين (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 16، ص 46 و47.).
وقيل: ان «الحسين»  ساير «أنس بن مالک» فاتي قبر خديجة فبکي ثم قال: إذهب عنّي قال «أنس»، فاستخفيتُ عنه فلما طال وقوفُه في الصلاة سمعته يقول:
يا ربِّ يا ربِّ أنت مولاهُ         فارحم عُبيداً إليک ملجاهُ

يا ذا المعالِي عليک مُعتمدي         طُوبي لِمن کُنت انت مولاهُ

طُوبي لِمن کان خادِماً أرقاً         يشکُو إلي ذِي الجلال بلواهُ
الي آخر الابيات (بحار الأنوار: ج 44 ص 193 نقلاً عن عيون المحاسن).
هکذا کان اهل البيت النبوي - اقتداءٌ برسول اللّه  يحترمون خديجة ويکرمونها لما کان لها من شخصية عظيمة ولما اسدته الي الإسلام والي رسول الإسلام من خدمات لا تنسي علي مرّ الدهور.
ان بيان ونقل الاحاديث والروايات، وکذا الاقوال التي وردت في شأن خديجة والحديث عن شخصيتها ومکانتها ومدي إسهامها في انجاح ونصرة الدعوة المحمدية خارج عن امکانية هذه الدراسة، ونطاقها، لذلک نکتفي بهذه الالماعة العابرة تارکين الکلام باسهاب حولها إلي مجال آخر.
ولنعُد إلي تبيّن الأسباب الظاهرية والباطنية لزواجها من رسول اللّه .


 

004 copy.jpgلقد اکتسبَت «خديجةٌ» بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمدية، وتفانيها في سبيل الاسلام، وبسبب حرصها العجيب علي حياة صاحب الرسالة وسلامته، وعملها المخلص علي انجاح مهمته، ومشارکتها الفعّالة، في دفع عجلة الدعوة الي الامام، ومشاطرتها للنبي في اکثر ما تحمله من محن واذي بصبر واستقامة وحب ورغبة.

 


لقد اکتسبت خديجة بفضل کل هذا وغيره مکانة سامية في الإسلام، حتي ان النبيّ ذکرها في أحاديث کثيرة وأشاد بفضلها، ومکانتها وشرفها علي غيرها من النساء المسلمات المؤمنات، وذلک ولا شک ينطوي علي اکثر من هدف.
فمن جملة الأهداف التي ربما توخاها النبيّ  من الاشادة بخديجة سلام اللّه عليها الفات نظر المرأة المسلمة الي القدوة التي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوکها في جميع المجالات والأبعاد، والظروف، والحالات.
هذا مضافاً إلي ما يمکن أن تقدمه المرأة وهي نصف المجتمع (إن لم تکن اکثره أحياناً) من دعم جدّي للرسالة، مادياً کان أو معنوياً.
وفيما يلي نأتي ببعض الأحاديث الشريفة التي تعکس مکانة خديجة، ومقامها، ومدي إسهامها في نصرة الإسلام ودعم دعوته، وإرساء قواعده.


1 - عن أبي زرعة عن ابي هريرة يقول قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه (وآله): «أتاني جبرئيل فقال يا رسول اللّه هذه خديجة قد أتتک ومعها آنية فيها ادام أو طعام أو شراب، فاذا هي أتتک فاقرأ  من ربّها ومنّي، وبشِّرها ببيتٍ في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصبِ» (صحيح مسلم: ج 7 ص 133، مستدرک الحاکم: ج 3 ص 184 و185 بطرق متعددة صحيحة علي شرط الشيخين.).


2 - عن عائشة قالت: ما غِرتُ علي امرأة ما غِرتُ علي خديجة، ولقد هلکت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، لما کنتُ اسمعه يذکرها، ولقد أمره ربُه عزّ وجلّ ان يبشرها ببيت من قصب في الجنة، وإن کان ليذبح الشاة ثم يهديها الي خلائلها (اي خليلاتها وصديقاتها) (صحيح مسلم: ج 7 ص 134، ومثلها في صحيح البخاري: ج 5 ص 38 و39.).


3 - وعن عائشة أيضاً قالت ما غِرت علي نساء النبيّ صلّي اللّه عليه (وآله) وسلّم إلا علي خديجة، واني لم أدرکها، (قالت): وکان رسول اللّه صلّي اللّه عليه (وآله) وسلّم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها الي اصدقاء خديجة قالت: «أي عائشة» فاغضبتُه يوماً فقلت: خديجة!! فقال رسول اللّه : «اني قد رزقت حبّها» (صحيح مسلم: ج 7 ص 134، ومثلها في صحيح البخاري: ج 5 ص 38 و39).


4 - ومن هذا القبيل ما کان يقوم به رسول اللّه  مع صاحبات خديجة من الاحترام لهن والاحتفال بهنّ : فقد وقف  علي عجوز فجعل يسألها، ويتحفاها، وقال: «ان حسن العهد من الايمان، انها کانت تأتينا أيام خديجة» (شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 18، ص 108).


5 - وروي عن انس قال کان النبيّ صلّي اللّه عليه (وآله) إذا اُتي بهدية قال: «إذهبوا بها إلي بيت فلانة فانها کانت صديقة لخديجة إنها کانت تحب خديجة» (سفينة البحار: ج 1 ص 380 )خدج).


6 - روي مجاهد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: کان رسول اللّه صلّي اللّه عليه (وآله) وسلّم لا يکاد يخرج من البيت حتي يذکر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذکرها يوماً من الايام فادرکتني الغيرة فقلت: هل کانت إلا عجوزاً فقد أبدلک اللّه خيراً منها، فغضب حتي اهتز مقدَمُ شعره من الغضب، ثم قال: «لا واللّه ما أبدلني اللّه خيراً منها، آمنت بي إذ کفر الناسُ، وصدّقتني وکذّبني الناسُ وواستني في مالها اذ حرمني الناسُ ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء» قالت عائشة فقلت في نفسي: لا أذکرها بسيئةٍ ابداً (اسد الغابة: ج 5 ص 438، ورواها مسلم أيضاً: ج 7 ص 134، وکذا البخاري: ج 5 ص 39 وقد حذفا آخرها من: فغضب حتي.. الي آخر الرواية).


7 - عن يعلي بن المغيرة عن ابن ابي رواد قال: دخل رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه (وآله) وسلّم علي خديجة في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: «يا خديجة أتکرهين ما أري منک، وقد يجعل اللّه في الکُره خيراً کثيراً، أما علمت أن اللّه تعالي زوّجني معک في الجنة مريم بنت عمران، وکلثم اُخت موسي وآسية امرأة فرعون...» (السيرة الحلبية: ج 1 ص 347، وأُسد الغابة: ج 5 ص 439.).


8 - عن عکرمة عن ابن عباس قال خطّ رسول اللّه  أربع خطط في الأرض وقال: أتدرون ما هذا؟ قلنا: اللّه ورسولُه أعلم، فقال رسولُ اللّه : «أفضل نساء الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» (الخصال للصدوق: ج 1 ص 96، کما في بحار الأنوار: ج 16 ص 2).


9 - عن أنس جاء جبرئيل الي النبيّ صلّي اللّه عليه (وآله) وعنده خديجة فقال: إن اللّه يقرئ خديجة السلام فقالت: إن اللّه هو السلام، وعليک السلام، ورحمة اللّه وبرکاته (المستدرک علي الصحيحين: ج 3 ص 1816.).


10 - عن أبي الحسن الأول (الکاظم) قال قال رسول اللّه  : «إن اللّه اختار من النساء اربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة» (الخصال: ج 1 ص 96، کما في البحار: ج 16 ص 2).


11 - عن ابي اليقظان عمران بن عبد اللّه عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان وهو في مسجد رسول اللّه  فسمعتُه يقول: قال رسول اللّه  يقول: «خديجةُ بنتُ خويلد سابقةُ نساء العالمين إلي الايمان باللّه وبمحمد ()» (المستدرک علي الصحيحين: ج 3 ص 184 - 186 ووردت روايات بمضمون ذيل الحديث في صحيح مسلم: ج 7 ص 133.).


12 - عن عروة قال قالت عائشة لفاطمة رضي اللّه عنها بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه (وآله) وسلّم: ألا ابشرک أني سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه (وآله) يقول: «سيدات نساء أهل الجنة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه (وآله) وسلّم، وخديجة بنت خويلد وآسية» (المستدرک علي الصحيحين: ج 3 ص 184 - 186 ووردت روايات بمضمون ذيل الحديث في صحيح مسلم: ج 7 ص 133.).


13 - عن أبي عبد اللّه (الصادق) قال: دخل رسول اللّه منزله، فاذا عائشة مقبلة علي فاطمة تصايحها وهي تقول: واللّه يا بنت خديجة، ما ترين إلا أن لاُمِکِ علينا فضلاً، وأيُ فضل کان لها علينا؟! ما هي إلا کبعضنا، فسمع مقالتها لفاطمة، فلما رأت فاطمة رسول اللّه  بکت، فقال: ما يبکيک يا بنت محمّد؟! قالت: ذکرت اُمّي فتنقصتها فبکيتُ، فغضب رسول اللّه ، ثم قال: «مَه يا حميراء، فان اللّه تبارک وتعالي بارک في الودُود الولود، وأن خديجة رحمها اللّه ولدت مِنّي طاهِراً، وهو عبدُ اللّه وهو المطهّر وولدت منّي القاسم، وفاطمة، ورقية، واُم کلثوم، وزينب، وأنت ممن أعقم اللّهُ رحمه فلم تلدي شيئاً« (الخصال: ج 2 ص 37 و38، کما في بحار الأنوار: ج 16، ص 3.).


أجل هذه هي «خديجة بنت خويلد» شرفٌ وعقلٌ، وحبٌ عميق لرسول اللّه ، ووفاء وإخلاص، وتضحية بالغالي والرخيص في سبيل الإسلام الحنيف.
هذه هي «خديجة» أول من آمنت باللّه ورسوله، وصدّقت محمّداً فيما جاء به عن ربه، من النساء، وآزره، فکان  لا يسمع من المشرکين شيئاً يکرهه من ردّ عليه، وتکذيب له الا فرّج اللّه عنه بخديجة التي کانت تخفف عنه (اعلام النساء لعمر رضا کحالة: ج 1 ص 328.)، وتهوّن عليه ما يلقي من قومه، بما تمنحه من لطفها، وعطفها، وعنايتها به ، في غاية الاخلاص والودّ والتفاني.


ولهذا کان رسول اللّه  يحبُّها حباً شديداً ويجلّها ويقدرها حق قدرها (اعلام النساء: ج 1 ص 330.)، ولم يفتأ يذکرها، ولم يتزوج عليها غيرها حتي رحلت وفاء لها، واحتراماً لشخصها ومشاعرها، وکان يغضب إذا ذکرها احدٌ بسوء، کيف وهي التي آمنت به اذ کفر به الناسُ، وصدّقته اذ کذّبه الناسُ، وواسته في مالها اذ حرمهُ الناسُ.


ولهذا أيضاً کانت وفاتها مصيبة عظيمة أحزنت رسول اللّه  ودفعته إلي أن يسمّي ذلک العام الذي توفي فيه ناصراه وحامياه، ورفيقا آلامه (زوجته هذه: خديجة بنت خويلد وعمه المؤمن الصامد الصابر ابو طالب  بعام الحداد، او عام الحزن، (تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 35، وقد روي عنه صلّي اللّه عليه وآله أنه قال بهذه المناسبة: »اجتمعت علي هذه الاُمة مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشدّ جزعاً« المصدر نفسه، وراجع تاريخ الخميس: ج 1 ص 301 نقلاً عن سيرة مغلطاي.) وان يلزم بيته ويقلّ الخروج (السيرة الحلبية: ج 1 ص 347، المواهب اللدنية حسب نقل تاريخ الخميس: ج 1 ص 302 وفيه إضافة: ونالت قريش منه ما لم تکن تنال.) وأن ينزل  عند دفنها في حفرتها، ويدخلها القبر بيده، في الحجون (السيرة الحلبية: ج 1 ص 346.).


عن ابن عباس في حديث طويل في زواج فاطمة الزهراء بعلياجتمعت نساء رسول اللّه ، وکان يومئذٍ في بيت عائشة ليسألنّه أن يُدخل الزهراء علي (عليّ)  فاحدقن به وقلن: فديناک بآبائنا وأُمهاتنا يا رسول اللّه قد اجتمعنا لأمر لو أنّ «خديجة» في الأحياء لقرّت بذلک عينُها.
قالت اُم سلمة: فلما ذکرنا «خديجة» بکي رسولُ اللّه  ثم قال: «خديجة واين مثل خديجة، صدّقتني حين کذّبني الناسُ ووازرتني علي دين اللّه وأعانتني عليه بمالها، إن اللّه عزّ وجلّ أمرني أن ابشر خديجة ببيت في الجنة من قصب (الزمرّد) لا صخب فيه ولا نصب» (بحار الأنوار: ج 43 ص 131 نقلاً عن کشف اليقين.).


لقد کانت خديجة من خيرة نساء قريش شرفاً، واکثرهنّ مالاً، واحسنهن جمالاً وأقواهنُّ عقلاً وفهماً وکانت تدعي في الجاهلية بالطاهرة لشدة عفافها وصيانتها (السيرة الحلبيّة: ج 1 ص 137.


ويقال لها: سيدة قريش (السيرة الحلبيّة: ج 1 ص 137.)، وکان لها من المکانة والمنزلة بحيث کان کل قومها وسراة أبناء جلدتها حريصين علي الاقتران بها (السيرة الحلبيّة: ج 1 ص 137.)، وقد خطبها - کما يحدثنا التاريخ - عظماء قريش وبذلوا لها الأموال، وممن خطبها «عقبة بن ابي معيط» و«الصلت بن ابي يهاب» و«ابو جهل» و«ابو سفيان» فرفضتهم جميعاً، واختارت رسول اللّه - وهي في سن الأربعين وهو  في الخامسة والعشرين - وهي تمتلک تلکم الثروة الطائلة، وهو  لا يمتلک من حطام الدنيا إلا الشيء اليسير اليسير، رغبة في الاقتران به ولما عرفت فيه من کرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الکريمة والصفات العالية، وهي ما کانت تبحث عنه في حياتها وتتعشقه واذا بتلک المرأة الغنية الثرية العائشة في أفضل عيش تصبح في بيت زوجها الرسول  تلک الزوجة المطيعة الخاضعة، الوفية المخلصة، وتسارع الي قبول دعوته، واعتناق دينه بوعي وبصيرة وارادة منها واختيار، وهي تعلم ما ينطوي عليه ذلک من مخاطر ومتاعب، وتجعل کل ثروتها في خدمة العقيدة والمبدأ، وتشاطر زوجها آلامه، ومتاعبه، وترضي بأن تذوق مرارة الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات وفي سنّ الرابعة أو الخامسة والستين. وهي مع ذلک تواجه کل ذلک بصبر وثبات (شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 14 ص 59 قال: خديجة بنت خويلد وهي عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله محاصرة في الشِعب.)، ودون أن يذکر عنها تبرُّم او توجع.


هذا مضافاً إلي أنها کانت تعامل رسول اللّه  بأدب تامّ يليق بمقام الرسالة والنبوة، علي العکس من غيرها من بعض نساء النبيّ اللائي کنَ ربما يثرن سخطه وغضبه، ويؤذينه في نفسه وأهله.


واليک فيما يأتي بعض ما قاله عنها کبار الشخصيات، والمؤرخين ممّا يکشف عن عظيم مکانتها عند المسلمين أيضاً، قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب :
«کنتُ أول من أسلم، فمکثنا بذلِک ثلاث حجج وما علي الأرض خلقٌ يُصلّي ويشهدُ لرسول اللّه  بما أتاهُ غيري، وغير ابنة خويلد رحمها اللّه وقد فعل» (بحار الأنوار: ج 16 ص 2 ومثله في روايات متعددة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4 ص 119 و120.).
وقال محمّد بن اسحاق: کانت خديجة أول من آمن باللّه ورسوله وصدّقت بما جاء من اللّه، ووازرته علي أمره فخفف اللّه بذلک عن رسول اللّه، وکان لا يسمع شيئاً يکرهه من ردّ عليه وتکذيب له فيحزنه ذلک إلا فرج اللّه ذلک عن رسول اللّه  بها اذا رجع إليها تثبِّتُه، وتخفّف عنه، وتهوّن عليه امر الناس حتي ماتت رحمها اللّه (بحار الأنوار: ج 16، ص 10 - 12.).


وعنه أيضاً: أن «خديجة بنت خويلد» و«ابا طالب» ماتا في عام واحد، فتتابع علي رسول اللّه   هلاک خديجة وابي طالب وکانت خديجة وزيرة صدق علي الإسلام، وکان رسول اللّه يسکن اليها (نفس المصدر.).
وقال أبو امامة ابن النقاش: ان سبق خديجة وتأثيرها في اول الإسلام ومؤازرتها ونصرتها وقيامها للّه بمالها ونفسها لم يشرکها فيهُ احدٌ لا عائشة ولا غيرها من اُمهات المؤمنين (تاريخ الخمس في أحوال أنفس نفيس: ج 1 ص 266.).


وقد جاء في المنتقي: ان رسول اللّه  عندما اُمِر بأن يصدع بالرسالة صعد علي الصفا، وأخبر الناس بما أمره اللّه به فرماه أبو جهل قبحه اللّه بحجر فشجّ بين عينيه، وتبعه المشرکون بالحجارة فهرب حتي أتي الجبل، فسمع عليٌّ وخديجةٌ بذلک فراحا يلتمسانه  وهو جائع عطشان مرهق، ومضت خديجة تبحث عنه في کل مکان في الوادي وهي تناديه بحرقة وألم، وتبکي وتنحب، فنظر جبرئيل إلي خديجة تجول في الوادي فقال: يا رسول اللّه ألا تري إلي خديجة فقد أبکت لبکائها ملائکة السماء؟ اُدُعها اليک فاقرأها مني السلام وقل لها: إن اللّه يقرئک السلام، ويبشّرها أن لها في الجنة بيتاً من قصب لا نصب فيه ولا صخب فدعاها النبي  والدماء تسيلُ من وجهه علي الارض وهو يمسحها ويردّها، وبقي رسول اللّه ، وعلي وخديجة هناک حتي جَنَّ الليلُ فانصرفوا جميعاً ودخلت به خديجةُ منزلها، فأقعدته علي الموضع الذي فيه الصخرة واظلّته بصخرة من فوق رأسه، وقامت في وجهه تستره ببُردها وأقبل المشرکون يرمونه بالحجارة، فاذا جاءت من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة، واذا رموهُ مِن تحته وقتهُ الجدرانُ الحُيّط، وإذا رُمي من بين يديه وقتهُ خديجة   بنفسها، وجعلت تنادي يا معشر قريش ترمي الحُرّةُ في منزلها؟ فلمّا سمِعوا ذلک انصرفُوا عنه، وأصبح رسولُ اللّه ، وغدا إلي المسجد يُصلّي (بحار الأنوار: ج 18 ص 243.).


ولقد بلغ من خضوعها لرسول اللّه   وحبّها له أنها بعد أن تم عقدُ زواجها برسول اللّه  قالت له :«إلي بيتک، فبيتي بيتک، وأنا جاريتک» (بحار الأنوار: ج 16 ص 4 نقلاً عن الخرائج والجرايح ص 186 و187.).


وجاء في السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية: ولسبقها إلي الإسلام وحسن المعروف جزاها اللّه سبحانه فبعث جبرئيل الي النبي  وهو بغار حراء وقال له: اقرأ  من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فقالت: هو السلام ومنه السلام وعلي جبرئيل السلام، وعليک يا رسول اللّه السلام ورحمة اللّه وبرکاته، وهذا من وفور فقهها  حيث جعلت مکان ردّ السلام علي اللّه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق به وما يليق بغيره، قال ابن هشام والقصب هنا اللؤلؤ المجوف، وابدي السهيلي لنفي النصب لطيفة هي انه  لما دعاها الي الايمان أجابت طوعاً ولم تحوجه لرفع صوت ولا منازعة ولا نصب بل ازالت عنه کل تعب، وآنسته من کل وحشة، وهوّنت عليه کل عسير فناسب ان تکون منزلتها التي بشرها بها ربُها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها رضي اللّه عنها واقراء السلام من ربها خصوصية لم تکن لسواها، وتميزت أيضاً بأنها لم تسؤه   ولم تغاضبه قط، وقد جازاها فلم يتزوج عليها مدة حياتها وبلغت منه ما لم تبلغه امرأة قط من زوجاته (السيرة الحلبية: ج 1 ص 169.).
 

إسلامها

یکشنبه, 01 اسفند 1395 00:00
011 copy.jpgمن بركات الله تعالى الخاصة بهذه المرأة أن مَنّ عليها بأن اختارها لتكون أول نساء العالمين إسلاماً وأسبقهن تصديقاً برسول الله ودعوته ، وأخلص نسائهجهاداً ، وأعظمهن وفاءً وطاعة له ، وأصبرهن تحملا لما لاقاه رسول الله من ضروب الأذى والتضييق ، وأكثرهن بذلا وعطاءً في سبيل الله ورسوله ، فعن عبدالله بن مسعود : إن أول شيء علمت من أمر رسول اللهقدمتُ مكة مع عمومة لي أو ناس من قومي نبتاع منها متاعاً ، فكان في بغيتنا شراء عطر ، فأرشدنا إلى العباس بن عبدالمطلب ، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم ، فجلسنا إليه ، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض ، . . . كأنه القمر ليلة البدر ، يمشي على يمينه غلام ، حسن الوجه . . . تقفوهم امرأة ، قد سترت محاسنها ، حتى قصد نحو الحجر فاستلمه ثم استلمه الغلام ، واستلمته المرأة ، ثم طاف بالبيت سبعاً والغلام والمرأة يطوفان معه ، ثم استقبل الركن ، فرفع يديه وكبّر ، وقامت المرأة خلفهما ، فرفعت يديها وكبرت ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع رأسه من الركوع ، فقنت مليّاً ، ثم سجد وسجد الغلام معه والمرأة ، يتبعونه ، يصنعون مثلما يصنع ، فرأينا شيئاً أنكرناه ، لم نكن نعرفه بمكة ، فأقبلنا على العباس فقلنا : يا أبا الفضل ، إن هذا الدين حدث فيكم ، أو أمر لم نكن نعرفه فيكم . قال : أجل ، والله ، ما تعرفون هذا؟ قال : قلنا : لا ، والله ما نعرفه ، قال : هذا ابن أخي محمد بن عبدالله ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته أما ، والله ، ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلاّ هؤلاء الثلاثة .

     لقد آمنت برسول الله ، ولم يسبقها إلى ذلك إلاّ الإمام عليكيف لا يكون كذلك ، وقد قرأت ـ بما ألهمها الله تعالى ، وبما منحها من قدرة وحكمة وبصيرة ونظرة ثاقبة لمستقبل الصادق الأمين ـ مستقبله وأنه ذو شأن كبير ومقام كريم ومنزلة محمودة؟!
     لقد واكبت مسيرته المباركة وهو في غار حراء ، بخدمتها الصادقة وكلماتها الطيبة ، التي تدل على مدى اخلاصها ونباهتها وصفائها : «وهيأت خديجة لزوجها ما يناسبه من حياة ، فلما لجأ للتحنث في غار حراء ، كانت تعدُّ له ما يحتاجه من طعام وشراب خلال الفترة ، التي اعتكف فيها بالغار ، فلما جاءه الوحي كانت أول من صدقه ، وعانت معه صراع قريش ضده ، وكانت البلسم الشافي لجراحه من هؤلاء المعتدين ، ودخلت معه الشعب عندما قرر سادة قريش أن يقاطعوا المسلمين . . .» (سير أعلام النبلاء 1/81 ).
    كانت تسمعه كلمات رقيقة هادئة كلما دخل بيتها عائداً من غار حراء ، كلمات ملؤها الحنان والحب . تدعوه أن يطمئن ، وتدعوه أحياناً أن يهدأ وينام ، فكان يقول لها : مضى عهد النوم يا خديجة . لقد كانت كلماتها تلاحقه وهو في بيته ، وهو خارج منه ، وهو في الغار ، وهو يدعو عشيرته للإيمان ، وهو في دار الارقم يدعو الناس سراً، وهو في كل مكان في مكة يقارع قريشاً وشركها جهراً ، وهو يرى أعداءه والمتربصين به ، والمبغضين له ، فكانت تخفّف عنه كلّ معاناته وكلّ ما يلقاه من أذى وتكذيب وعنت من قومه .
     وكان يصرّح ويفضي لها بكلّ شيء يقول ابن هشام في سيرته : وآمنت به خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ، ووازرته على أمره ،  . . . فخفف الله بذلك عن نبيه ، لا يسمع شيئاً ممّا يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له ، فيحزنه ذلك ، إلاّ فرّج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه ، وتصدقه وتهوّن عليه أمر الله ، رحمها الله تعالى(السيرة النبوية لابن هشام 1/240 ) .
     ومن كلماتها له أيضاً : أبشر ، فوالله ، لا يخزيك الله أبداً ، والله ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتؤدي الأمانة ، وتحمل الكلَّ ، وتقري الضيفَ ، وتعين على نوائب الدهر .

منزلتها

یکشنبه, 01 اسفند 1395 00:00

001 copy.jpg

 
 
لخديجة  منزلة عالية يغبطها عليها الملائكة المقربون ، حتى أن جبرئيل  أتى إلى النبي  فقال: أقرء خديجة من ربها السلام ، فقال رسول الله : ياخديجة ، هذا جبرئيل يُقرئك من ربك السلام ، فقالت خديجة : الله السلام ومنه السلام وعلى جبرئيل السلام
أما عن فضائلها فإن القلم ليعجز عن ذلك ، وكفانا في هذا المجال الحديث النبوي الشريف : ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بن خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) .